الأسلوب- مرآة تعكس جوهرنا، فاختر كلماتك بعناية

المؤلف: خالد الجارالله09.04.2025
الأسلوب- مرآة تعكس جوهرنا، فاختر كلماتك بعناية

منذ اللحظة التي ينطق فيها الإنسان كلماته الأولى، يبدأ في رسم ملامح شخصيته الفريدة، و مع كل عبارة جديدة يطلقها، تتشكل صورته في أذهان الآخرين. لسنا في حاجة إلى تعقيدات علم النفس أو تحليلات السلوك الاجتماعي لندرك حقيقة بسيطة و عميقة، و هي أن الأسلوب هو البوابة السحرية التي تفتح القلوب و تكسب الود، أو تغلقها و تبعث على النفور. فالكلمة الطيبة قد تكون بمثابة سلم يصعد بنا إلى أعلى المراتب، بينما الكلمة الجارحة قد تهوي بنا إلى قاع سحيق لا نهاية له.

لماذا يغفل الكثيرون عن هذا المبدأ الإنساني الجوهري؟ لماذا يختارون الكلمات الحادة التي تثير الاستياء، و التعالي الزائف الذي يصد الآخرين، و النبرة الخشنة التي تنفر القلوب، في حين أنهم يمتلكون قاموسًا واسعًا مليئًا باللطف و الرقة و التعاطف و اللغة العذبة التي تلامس الوجدان؟

إن الشخص الذي يتعامل بفظاظة و غلظة، لا يمتلك بالضرورة تفوقًا في المنطق أو رجاحة في الرأي، بل إن أسلوبه البذيء غالبًا ما يُفسر على أنه ستار يخفي وراءه نقصًا أو خللاً داخليًا، سواء كان ذلك في الثقة بالنفس، أو في الاتزان العاطفي، أو حتى في فهمه العميق لذاته و للآخرين من حوله.

الشخص الفظ، في أغلب الأحيان، لا يعي أنه يخسر من رصيده الإنساني و الاجتماعي أكثر بكثير مما قد يكسبه بصلفه و غلظته.

السؤال المطروح هنا ليس عن القدرات أو الإمكانيات المتاحة، فكل فرد منا يمتلك القدرة على أن يسب و يشتم و يجرح و يحط من قدر الآخرين، و لكن جوهر الأمر يكمن في الاختيار الواعي.

لماذا نختار أن نكون مصدر أذى للآخرين؟ لماذا نصر على أن نترك في نفوسهم ندوبًا غائرة بدلاً من أن نترك بصمة جميلة و ذكرى طيبة؟ لماذا، و نحن نمتلك مخزونًا لغويًا هائلاً من الجمال و الرقة، نصر على استخدام أقبح و أسوأ ما فيه؟!

في خضم تفاصيل الحياة اليومية، سواء في بيئة العمل أو في محيط الأسرة أو بين الأصدقاء المقربين، ندرك بوضوح أن الأسلوب هو العامل الخفي الذي يحدد مسار العلاقة و طبيعتها.

فالموظف قد ينجز المهام الموكلة إليه على أكمل وجه، و لكن أسلوبه الفظ و تعامله الخشن قد يجعلان منه شخصًا غير مرغوب فيه اجتماعيًا، و القائد قد يكون حازمًا في قيادته و سيطرته، و لكن قسوته و تعجرفه قد يلغيان قدرته على التأثير الإيجابي في الآخرين، و الصديق قد يقول الحقيقة، و لكن بأسلوبه الجارح و كلماته اللاذعة قد يخسر ود من حوله.

و هكذا، يبقى اللطف و حسن التعامل تاجًا لا يرتديه إلا من أدرك و فهم أن الهيبة و الاحترام لا يُنتزعان بالصراخ و الفظاظة، بل يُكتسبان بالحضور الباسم و الودود، و بالكلمة الطيبة التي تزرع الحب و الوئام.

فالأساليب المستفزة و النبرات الحادة لا تخلق إلا أجواءً مسمومة، مليئة بالشكوك و الريبة و ردود الأفعال العنيفة، و بالتالي تجهض أي فرصة للنمو و التطور و التفاهم و التألق.

إنها سلاح قديم و بالٍ، يلجأ إليه من لا يجد في نفسه نورًا كافيًا لينير به قلوب الآخرين، فيختار أن يطفئ مصابيحهم بدلاً من أن يشعل شمعة من الأمل.

الأسلوب هو مرآة تعكس حقيقتك و جوهر شخصيتك، و لا شيء يدل عليك و يعبر عنك أكثر من طريقة تعاملك مع الآخرين، فاختر أن تكون نورًا ساطعًا و حضورًا بهيًا في عوالم لا تكف عن التعتيم و الظلام.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة